أجريت في فرنسا أول عملية لزراعة وجه على يد جراحين متخصصين، لسيدة فقدت أنفها وشفتيها وذقنها بعد هجوم كلب مفترس. وتم خلال الجراحة، التي أثارت جدلا، نقل أنسجة وعضلات وأوردة وشرايين من متبرع في حالة موت دماغي، إلى الجزء الأسفل من وجه المريضة. وأكد الأطباء أن السيدة لن تشبه المتبرع، كما أنها لن تبقى بنفس الشكل الذي كانت عليه من قبل، وبدلا من ذلك سيكون لها وجه “هجين”.
وأفادت مجلة “لوبوان” الفرنسية بأن أنسجة العضلات والشرايين والأوعية الدموية التي استخدمت في عملية الزرع التي ترأسها كل من البروفيسور برنارد دوفاشيل، والبروفيسور ميشل دوبرنارد، كانت قد أخذت من شخص في حالة موت دماغي تبرع بعدة أعضاء من جسمه. وجاء في بيان للمستشفى الذي شهد العملية الجراحية، أن “حالة المريضة العامة ممتازة ويبدو الوجه المزروع طبيعيا”. وقال الدكتور دوبرنارد فور الانتهاء من العملية انها اشتملت على الأنف والشفتين والذقن مضيفا: لا نعرف حتى الآن متى بإمكان المريضة الخروج من المستشفى.
كانت المريضة وتدعى ايزابيل دينوار (38 عاما)، قد أصيبت بتشوهات كبيرة في الجزء الأسفل من وجهها عندما حاول كلب العائلة إيقاظها بعد أن تناولت جرعة دوائية زائدة في محاولة منها للانتحار.
وتقول ابنة المرأة وعمرها 17 عاما إن الكلب نجح بطريقة ما في إيقاظها وإنها كانت نوعا ما محظوظة لنجاحه بذلك رغم ما تسبب به من جروح.
وقد قامت السلطات في وقت لاحق بقتل الكلب رغما عن إرادة العائلة.
وقال “فيليب دومي” مدير مستشفى “أميين” شمالي فرنسا حيث أجريت العملية إن العملية كانت ضرورية “لأن وضع المريضة كان استثنائيا”.
وقد وصف رئيس فريق الجراحين الدكتور “دوفاشيل” صعوبة العملية التي تطلبت زراعة جلد وعضلات ووصل الكثير من الأوردة والشرايين والخلايا العصبية.
وقال الطبيب إن وصل الأعصاب ببعضها يجب أن يتيح للمريضة تحريك قسمات وجهها.
وبعد أربع ساعات من انتهاء العملية بدأ الدم يجري في عروق جلد الوجه المزروع، واستعادت المريضة وعيها بعد أربع وعشرين ساعة من العملية. وعندما استيقظت المريضة كان أول ما تفوهت به: “شكرا لكم”.
جدل اخلاقي
لكن بعض الخبراء شككوا في ضرورة اللجوء إلى مثل هذه العملية المثيرة للجدل.
وقال أحد مستشاري لجنة الأخلاق الاستشارية الفرنسية الوطنية إن فريق الجراحة قد انتهك نصيحة اللجنة بعدم اللجوء أولا إلى عملية إعادة التشكيل الوجهي التقليدية.
غير أن كارولين كامبي المديرة العامة للوكالة التي تعمل في إطار وزارة الصحة الفرنسية والتي تقوم بتنسيق عمليات الجراحة قالت إن الجراحة العادية لم تكن ممكنة في حالة المريضة تلك.
لكن المخاوف الاخلاقية بشأن زراعة الوجه، والتأثير النفسي في المريض الذي يختلف مظهره بعد العملية، أدت إلى إحجام هذه الفرق عن مثل هذه العمليات في السابق.
وقد سادت مخاوف أخرى تتمثل في المضاعفات المناعية التي يعاني منها المرضى الذين يخضعون لعمليات زراعة والتي تتطلب منهم تناول عقاقير خاصة لتثبيط المقاومة المناعية في أجسادهم.
وكانت المريضة قد خضعت لاستشارات طبية مكثفة قبل العملية.
وقال بيان للمستشفى الذي جرت به العملية إن السيدة تعرضت لتشوه كبير في وجهها في مايو/ أيار من العام الجاري.
ولم تكن قادرة على الكلام أو تناول الطعام بسهولة منذ الحادث.
وأضاف البيان أن الحالة الصحية العامة للمريضة ممتازة في الوقت الحالي وأن الاجزاء المزروعة تبدو طبيعية.
ويتعين على المريضة تناول أدوية لمنع جهاز المناعة من رفض الاجزاء المزروعة، مثلها في ذلك مثل المرضى الذين تجرى لهم عمليات زراعة أعضاء.
مخاطر مجهولة
وقد قلل الخبراء من المخاوف التي تقول إن الأشخاص الذين تجرى عليهم عمليات زرع وجه سيظهرون بنفس صورة من اوصوا للتبرع بوجوههم بعد موتهم.
وقام الأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية بعمليات زرع وجه على أجسام ميتة تم التبرع بها من أجل الأبحاث الطبية.
وطبقا لما أوردته مجلة “نيو ساينتست” العلمية فقد بدا قليل ممن أجريت عليهم الدراسة مماثلين للمتبرعين. ولم يحمل الكثيرون أيضا تشابها للشكل الذي بدوا عليه قبل الدراسة.
ويأمل الباحثون الذين يعملون بجامعة لويزفيل حاليا القيام باجراء تجارب على المرضى الأحياء.
وقدم هؤلاء الباحثون طلبا للحصول على اذن رسمي من اللجنة الدستورية بالجامعة التي تفحص اقتراحات الأبحاث الجديدة.
وتأتي هذه الخطوة بعد ستة اشهر من حث الكلية الملكية للجراحين البريطانيين الأطباء على عدم القيام بعمليات زرع أوجه.
واعترفت الكلية في تقرير لها بأن التقنية التي تستخدم في مثل هذه التجارب متاحة.
لكنها حذرت في الوقت ذاته من قلة المعلومات المتاحة بشأن المخاطر المحتملة لهذه العمليات بما فيها التأثيرات المادية والنفسية.
وأعربت الكلية عن قلقها من تأثير مثل هذه العملية في عائلة المتبرع خصوصا إذا ما كان المريض يشبه الميت.
لكن الدراسات الحديثة تقترح أن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة.
وشكلت مجلة “نيو ساينتست” فريقا مع شركة مينتورن لاجراء مزيد من الاختبارات على النظرية.
وقامت الشركة بفحص وجه امرأة حية وضعت هذا الوجه على نموذج قياسي ثلاثي الأبعاد لجمجمة بشرية.
وقام الفريق بعد ذلك باجراء الزراعة بوضع وجه المانح الحقيقي على جمجمة المرأة.
وشاركت المرأة المستقبلة بعض صفات المانحة مثل شكل الفم لكنها على الرغم من ذلك كانت لها شخصيتها المستقلة.
مخاوف
وقال بيتر باتلر وهو جراح بمستشفى “رويال فري” الملكي في لندن الذي كان يجري هو الآخر بحثا بهذا الخصوص في الماضي إنه لن يجري زراعة وجه حتى يتم حل المسائل النفسية والمناعية والأخلاقية المتعلقة بهذا الموضوع.
وعبر باتلر أيضا عن مخاوفه بشأن العقاقير التي يجب على المرضى الذين يجرون عمليات زرع وجه تناولها.
وقال باتلر: “إن لهذه العقاقير مضاعفات خطيرة كما أنها لا تعمل عادة”. ومن جانبها عبرت الجمعية البريطانية لتغيير الوجوه التي تساعد الأشخاص الذين يعانون من تشوه في الوجه عن قلقها بشأن خطط إجراء عمليات زرع الوجه.
وأوضح العديد من الأطباء الذين يشتغلون في هذا المجال الطبي في العديد من أنحاء العالم، أن الإنجاز العلمي الجديد يشكل نبأ سعيدا لعشرات الآلاف من ضحايا الحروق في مختلف أنحاء العالم.
وقال الدكتور إيان هوتشيون، أخصائي جراحة الوجه والفم في مستشفى “برات أند لندن” بالمملكة المتحدة: “هذه أول عملية زرع وجه تتم باستخدام جلد من شخص آخر”.
بيد أن عملية زراعة الوجه تثير العديد من القضايا الطبية والأخلاقية، فقد حذر الدكتور هوتشيون، والذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة “انقذوا الوجوه” المتخصصة بدراسات جراحة الوجه، من أن الأوعية الدموية الموجودة في النسيج المزروع قد تتخثر، وكذلك هناك احتمال في أن تفشل الأدوية المضادة للرفض المناعي، وقد يعزز احتمال إصابة المريض بالسرطان.
وقال هوتشيون: “هناك مسألة أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وتتعلق بالشخص المتبرع. وعليه يجب أن يكون النسيج المزروع مأخوذا من متبرع بقلب نابض، وقبل أن يتم فصل أجهزة التنفس عنه”.
ومن جهته، قال ستيفن ويجمور، رئيس لجنة المعايير الأخلاقية التابعة للجمعية البريطانية لزراعة الأنسجة: “لا أحد يعرف حتى الآن طبيعة التعابير الوجهية التي ستظهر على المدى الطويل. فالمعروف أن الجلد يثير رفضاً مناعياً بقوة ومن المرجح جدا أن تكون هناك حاجة إلى مضادات الرفض المناعي لفترة طويلة من الزمن. ويضاف إلى ذلك، أنه من غير الواضح حتى الآن مدى خطورة عواقب فشل عملية زرع الوجه”.
وقال مايكل إيرلي، عضو فريق زراعة الأنسجة في الكلية الملكية للجراحين: “إذا ما أثبتت الجراحة نجاحها التام، فسوف تشكل نقلة نوعية في مجال عمليات ترميم الوجه. فالعملية الجديدة هي عملية زرع جزئي للوجه تشمل الأنف والشفتين والذقن، وعليه فإن القضية المتعلقة بتشابه المظهر بين المتبرع والمتلقي، لن تشكل مشكلة كبرى.
ونتمنى للمريضة والفريق الجراحي تحقيق نتائج ناجحة، ونتطلع إلى معرفة المزيد من التفاصيل عن هذا الإجراء الفذ الذي يمكن ان يكون خطوة كبرى للتغلب على معاناة العديد من البشر الذين يعانون من تشوهات في الوجه”.
وقال مدير الجمعية التنفيذي جيمس بارتريدج: “ان الجمعية قلقة للغاية بشأن الأخبار القائلة إن الجراحين في لويزفيل والولايات المتحدة يسعون لاجراء أول عملية زرع وجه في العالم”.
وأضاف: “هناك تساؤلات عديدة حول الاجابات التي نحتاجها قبل أن تصبح هذه الجراحة التي تحمل مخاطر كبيرة خيارا متاحا للمرضى المصابين بتشوهات خطيرة في الوجه”.