أحدث المقالات
الرئيسية / مقالات عامة / السلاح البيولوجي يعالج تجاعيد الوجه!!

السلاح البيولوجي يعالج تجاعيد الوجه!!

في الوقت الذي تصدر فيه الحكومة الأمريكية والأجهزة التابعة لها البيانات والأبحاث والتقارير التي تخوّف من هجوم بيولوجي على الولايات المتحدة،وتتعرض تلك التقارير للأنواع المحتملة من الأسلحة البيولوجية وكيفية التعامل معها
في هذا الوقت نفسه تنوي إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية إصدار قرار بمشروعية استخدام أحد أكثر هذه الأسلحة البيولوجية فتكا من أجل إخفاء تجاعيد الوجه والرقبة!!

فقد جاء في خبر بجريدة “النيويورك تايمز” الأمريكية الأسبوع الماضي أن إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية تنوي الموافقة في خلال شهر واحد أو أقل على استخدام دواء يعرف تجاريا باسم بوتوكس Botox -موجود بالفعل بالأسواق الأمريكية- من أجل الأغراض التجميلية إلى جانب استخداماته الحالية.
وبوتوكس كما ذكرنا هو الاسم التجاري لسموم بكتيريا البوتيولينوم أو توكسين البوتيولينوم Botulinum toxin التي بإمكانها شلّ بل وقتل ضحيّتها إذا تم تناولها في بعض الأغذية الفاسدة. إلا أن إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية سمحت باستخدامه عام 1989 من أجل معالجة حالتين مرضيتين بالعين يسببهما تقلّص عضلي شديد يؤدي في الحالة الأولى إلى عدم قدرة المريض على فتح جفنه وفي الحالة الثانية إلى حول العين. ويكون العلاج في هاتين الحالتين من خلال حقن كمية صغيرة من التوكسين في العضلة المتقلصة، وهو ما يؤدي إلى شلّها وبالتالي معالجة الحالة تماما إلى أن ينتهي مفعول التوكسين.

 

التوكسين.. يهب الشباب الزائف

إلا أن أطباء التجميل لاحظوا منذ أوائل التسعينيات أن حقن كميات صغيرة من التوكسين في عضلات الجبين وبين العينين وحول الفم وأيضا في عضلات الرقبة يؤدي إلى شلل تلك العضلات، وبالتالي اختفاء التجاعيد التي تنتج عن تقلصها! حتى إن استخدام البوتوكس انتشر بين نجوم ونجمات هوليود كأكثر أهم طرق القضاء على التجاعيد والمحافظة على الشباب الزائف. المشكلة أن البوتوكس مع أنه يقضي على التجاعيد دون آثار جانبية مهمة تذكر إذا تم حقنه بطريقة سليمة، فإن شلل العضلات يمنع الممثل من قدرته على التعبير السليم! فعلى سبيل المثال، يذكر أن أهم وأكثر الأماكن التي يقرر النجوم حقن بوتوكس فيها هي عضلة الجبين وما بين العينين، وهو ما يؤدي إلى عدم قدرة الشخص على التعبير عن الغضب بسبب شلل العضلات وبالتالي عدم القدرة على تقليصها، كما أن الممثل لا يستطيع أن يرفع حاجبه إذا طُلب منه ذلك!

ما هو توكسين البوتيولينوم؟

دعونا أولا نفهم ما هي قصة توكسين البوتيولينوم حتى نفهم كيف يعمل من أجل إخفاء التجاعيد. توكسين البوتيولينوم هو أكثر المواد سميّة على الإطلاق على حد قول الطبيب الأمريكي “ستيفن آرنون”، مدير برنامج الوقاية من مرض بوتيوليزم (أو تسمم اللحم) Botulism للأطفال الرضّع بكاليفورنيا.
وينتج هذا التوكسين أثناء نمو نوع من أنواع البكتيريا المعروف باسم كلوستريديوم بوتيولينوم Clostridium botulinum. هذا النوع من البكتيريا وبذورها الجرثومية spores ينتشر في الطبيعة داخل التربة والرواسب البحرية وعلى الفواكه والخضر بالإضافة إلى الكثير من الأكلات البحرية.
إلا أن البكتيريا نفسها وبذورها الجرثومية آمنة تماما، ولا تسبب أية أضرار إلا إذا بدأت في إنتاج التوكسين القاتل.
وهذا التوكسين ينتج من البكتيريا في حالة وجود بعض الظروف الملائمة لنمو البكتريا نفسها، مثل: انعدام الأكسوجين، وتوفر مستويات منخفضة من الحموضة ودرجات حرارة ما بيـن 45-49 درجة مئوية. وتتوفر مثل تلك الظروف في حالة تخزين أو تعليب الأغذية سواء في المنزل أو من قبل شركات الأغذية بطرق غير سليمة.
حين يدخل التوكسين إلى الجسم يبدأ في الاتحاد مع أطراف الأعصاب عند نقطة دخولها إلى العضلات لتمنعها من إطلاق المادة الكيماوية المعروفة بالأسيتايل كولين acetyl choline التي تعطي الإشارة إلى العضلة لتبدأ في الانقباض، وهو ما يؤدي إلى ضعف وشلل عضلات الجسم، بدءا بعضلات الرأس وانتقالا إلى باقي عضلات الجسم بما في ذلك العضلات المسئولة عن عملية التنفس. وبسبب شلل عضلات التنفس كان البوتيوليسم في الماضي يتسبب في وفاة أكثر من 70% من ضحاياه إلا أنه ومنذ تصنيع جهاز التنفس الصناعي فقد انخفضت نسب الوفيات كثيرا.
حيث كانت تلك النسب في الثمانينيات بالولايات المتحدة الأمريكية حوالي 9%، في حين انخفضت أكثر بحلول عام 1993 لتبلغ نسبة الوفيات 2% فقط من مصابي البوتيوليسم. ومع ذلك فإن الشفاء من ذلك المرض الخطير حتى في ظل ظروف علاجية ملائمة عملية بطيئة للغاية، حيث لا يتم الشفاء التام إلا عندما تنمو أطراف عصبية جديدة بدلا من المصابة، تلك العملية التي تستغرق عدة أشهر.
في حالة اكتشاف الإصابة بالبوتيوليسم في مراحله المبكرة، يتم حقن المصاب بمصل مضاد للتوكسين قد تم تجهيزه من الخيول، ويقلل ذلك من حدة الإصابة حيث يتحد بالتوكسين في الدم الذي لم يتحد بعد مع أطراف الأعصاب.
إلا أن هذا المصل يمثل خطورة بالنسبة لبعض الأشخاص الذين قد يصابون بحساسية تعرف بالعوار anaphylaxis، وهي حساسية قد تودي بحياة المريض، وبالتالي لا يُعطى هذا المصل لكل المرضى ولا يعطى أبدا للأطفال الرضع.

البوتوكس يخفي التجاعيد.. والتعبير

أما البوتوكس فهو الاسم التجاري للنوع A من هذا التوكسين القاتل الذي تم إعداده بشكل منقح من بكتيريا الكلوستريديوم بوتيولينوم. وفي حين أن الجرعة القاتلة في الإنسان تعتبر 3000 وحدة من التوكسين، فإنه لا يتم حقن العضلات المستهدفة إلا بـ 10-30 وحدة، مثل العضلة المجعدة في مفرق الحاجبين، وهو ما ينتج عنه اختفاء تجعيدة التكشير في الجبين. وعملية الحقن هذه لا تستغرق سوى دقائق معدودة ينصح المريض بعدها بأن يظل قاعدا أو واقفا لمدة 4-6 ساعات بعد الحقن حتى لا يتسرب التوكسين إلى العضلات المجاورة، وهو ما قد يؤدي إلى تدلّي أحد الجفنين، إلا أنه حتى هذا الأثر الجانبي الذي قد يحدث تذهب آثاره بعد أسبوعين أو ثلاثة. يبدأ مفعول التوكسين في إخفاء تجعيدة التكشير بعد حوالي 3-4 أيام ويستمر لمدة 3-5 أشهر حتى يختفي أثر المفعول مرة أخرى وبعده يتم حقن العضلة بالبوتوكس مرة أخرى حتى تستمر التجعيدة في الاختفاء.
ويتم تكرار الحقن ما بين 3-4 مرات على مرور عام واحد، وبعدها غالبا ما يستمر المفعول لمدة قد تصل إلى 18 شهرا. أما الأسعار فتتراوح ما بين 300 إلى أكثر من 1000 دولار للحقنة الواحدة.
ومع أن إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية لم توافق حتى الآن على استخدام البوتوكس للأغراض التجميلية، فإن الأطباء يستخدمونه لهذا الغرض منذ أكثر من 10 أعوام؛ حيث تجيز القوانين الأمريكية استخدام أحد الأدوية التي قد أجيز استخدامها لغرض ما من أجل أغراض أخرى، إلا أنها لا تجيز لشركة الأدوية المنتجة للدواء الإعلان إلا عن الاستخدام الرسمي للدواء. ويتوقع إثر موافقة إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية على استخدام البوتوكس للأغراض التجميلية أن تقوم الشركة المنتجة له بحملة دعاية مكثفة يتوقع أن تنافس حملات الدعاية للفياجرا، وهو ما قد يزيد من استخدام الدواء العام القادم بمعدل 50% عن العام الماضي.
يستخدم البوتوكس أيضا في علاج الصداع النصفي، حيث لاحظ أطباء التجميل أن كثيرين من مرضى الصداع النصفي تتحسن حالتهم بعد حقن الدواء من أجل إخفاء التجاعيد، كما يستخدم في علاج آلام الظهر وتشنج عضلات الأطراف.
والآن هل يأتي اليوم الذي تختفي فيه التجاعيد من على وجوه مفرّغة من القدرة على التعبير؟ وهل أصبحت المظاهر الزائفة أهم عندنا من قدرتنا على إظهار مشاعرنا وأحاسيسنا دون الحاجة إلى شرحها؟ فلنر ماذا تأتي به الأيام.
د. نادية العوضي

عن فريق التحرير

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*